فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال العلامة نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {حرمت عليكم أمهاتكم} الآية كلها إشارات إلى نهي التعليق ومنع التصرف في الأمهات السفليات والمتوالدات من أوصاف الإنسان وصفات الحيوان. {إنّ الله كان غفورًا} بأنواع غفرانه ظلمات الصفات الإنسانية التي تتولد من تصرفات الحواس في المحسوسات عند الضرورات بالأمر لا بالطبع {رحيمًا} بالمؤمنين فيما اضطرهم إليه من التصرفات بقدر الحاجة الضرورية. {والمحصنات من النساء} هي الدنيا التي تصرف فيها العلويات {إلاّ ما ملكت أيمانكم} بإذن الله تعالى حيث قال: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا} [الأعراف: 31] {محصنين} حرائر من الدنيا وما فيها {غير مسافحين} في الطلب مياه وجوهكم. {فما استمتعتم به منهن} من الضروريات فأعطوا حقوق تلك الحظوظ بالطاعة والشكر والذكر. ثم إنّ الله تعالى أحب نزاهة قلب المؤمن عن دنس حب الدنيا كما أحب نزاهة فراشه فقال: {ومن لم يستطع} أي من لم يقدر أن يسخر عجوز الدنيا الصالحة بأسرها ويجعلها منكوحة له ويحصناه بتصرّف شرائع الإسلام بحيث لا يكون لها تصرف في قلبه بوجه ما، فليتصرف في القدر الذي ملكت يمين قلبه من الدنيا ولم تملك قلبه لأنها مأمورة بخدمته وهي مؤمنة له بالخدمة كما قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى: «يا دنيا اخدمي من خدمني واستخدمي من خدمك» {محصنات} بالصدق والإخلاق {غير مسافحات} بالتبذير والإسراف {ولا متخذات أخدان} من النفس والهوى {فإذا أحصن} بالإخلاص في العطاء والمنع والأخذ والدفع {فإن أتين بفاحشة} هي غلبات شهواتها على القلب فليبذل نصف ما ملكت يمينه من الدنيا في الله جناية وغرامة فهو حدها كما أن حدّ عجوز الدنيا إذا أحصنها ذوو الطول من الرجال فأتت بفاحشة إهلاكها بالكلية بالبذل في الله كما كان حال سليمان عليه السلام إذ عرض عليه بالعشى الصافنات الجياد لما شغلته عن الصلاة وأتت بفاحشة حب الخيل فطف مسبحًا بالسوق والأعناق {ذلك} التصرف في قدر من الدنيا {لمن خشي} ضعف النفس وقلة صبرها على ترك الدنيا وامتناعها عن قبول الأوامر والنواهي {وأن تصبروا} عن التصرّف في الدنيا بالكلية {خير لكم} كما قال صلى الله عليه وسلم: «يا طالب الدنيا لتبر فتركها خير وأبر» {يريد الله أن يخفف عنكم} فلكم المعونة ولغيركم المؤنة. قال إبراهيم: {إني ذاهب لى ربي} [الصافات: 99] وأخبر عن حال موسى بقوله: {ولما جاء موسى لميقاتنا} [الأعراف: 143] وعن حال نبينا بقوله: {سبحان الذي أسرى بعبده} [الإسراء: 1] وعن حال هذه الأمة بقوله: {سنريهم آياتنا} [فصلت: 53] والمعونة هي الجذبة التي توازي عمل الثقلين، فلا جرم كان لغير نبيّنا الوصول إلى السموات فقط، وكان لنبيّنا الوصول إلى مقام قاب قوسين أو أدنى، ولأمته التقرّب: «لا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه» والفرق بين النبي والولي، أنّ النبي مستقل بنفسه والولي لا يمكنه السير إلاّ في متابعة النبي وتسليكه. {وخلق الإنسان ضعيفًا} ولهذا أعين بالخدمة حتى يتصل بقوّة ذلك إلى مقام لا يصل إلأيه الثقلان بسعيهم إلى الأبد، وضعفه بالنسبة إلى جلال الله وكماله وإلاّ فهو أقوى في حمل الأمانة من سائر المخلوقات، وأيضًا من ضعفه أنه لا يصبر عن الله لحظة فإنه يحبهم ويحبونه.
الصبر يحمد في المواطن كلها ** إلاّ عليك فإنه لا يحمد

وكان أبو الحسن الخرقاني يقول: لو لم ألق نفسًا لم أبق. وغير الإنسان يصبر عن الله لعدم المحبة. ومن ضعفه أنه لا يصبر مع الله عند غلبات سطوات التجلي كما أنه صلى الله عليه وسلم كان يغان على قلبه وكان يقول حينئذٍ: كلميني يا حميراء. وكان الشبلي يقول: لا معك قرار ولا منك فرار، المستغاث بك منك إليك. ضعف الإنسان سبب كماله وسعادته، فساعة يتصف بصفات البهيمة، وساعة يتسم بسمات الملك، وليس لغيره هذا الاستعداد فلهذا جاء في الحديث الرباني: «أنا ملك حي لا أموت أبدًا فأطعني عبدي لعلك تكون ملكًا حيًا لا تموت أبدًا» {إلا أن تكون تجارة} أي تجارة تنجيكم من عذاب أليم. {ولا تقتلوا أنفسكم} بصرف أموالكم في شهواتها فإن ذلك سمها القاتل {إن الله كان بكم رحيمًا} إذ بيّن لكم هذه الآفات ودلكم على هذه التجارات. {ومن يفعل} صرف المال إلى الهوى تعديًا عن أمر الله وظلمًا على نفسه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (31):

قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين تعالى ما لفاعل ذلك تحذيرًا، وكان قد تقدم جملة من الكبائر، أتبعه ما للمنتهي تبشيرًا جوابًا لمن كأنه قال: هذا للفاعل فما للمجتنب؟ فقال على وجه عام: {إن تجتنبوا} أي تجهدوا أنفسكم بالقصد الصالح في أن تتركوا تركًا عظيمًا وتباعدوا {كبائر ما تنهون عنه} أي من أكل المال والقتل بالباطل والزنى وغير ذلك مما تقدم روى البزار- قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح- عن عبد الله- يعني ابن مسعود- أنه سئل عن الكبائر فقال: ما بين أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين قال الأصبهاني: وكل ذنب عظم الشرع الوعيد عليه بالعذاب وشدده، أو عظم ضرره في الخمس الضرورية: حفظ الدين والنفس والنسب والعقل والمال، فهو كبيرة، وما عداه صغيرة {نكفر عنكم سيئاتكم} أي التي هي دون الكبائر كلها، فإن ارتكبتم شيئًا من الكبائر وأتيتم بالمكفرات من الصلوات الخمس والجمعة وصوم رمضان والحج، أو فرطتم في شيء منها فمنَّ الله عليكم بأن أتاكم بالمرض؛ كفر ذلك المأتي به الصغائر، ولم يقاوم تلك الكبيرة فلم يكفر جميع السيئات، لعدم إتيانه على تلك الكبيرة {وندخلكم مدخلًا كريمًا} أي يجمع الشرف والعمل والجود وكل معنى حسن، ومن فاته جميع ذلك لم يكفر عنه سيئاته، ولم يدخله هذا المدخل، ويكفي في انتفائه حصول القصاص في وقت ما؛ وقال الإمام أحمد: المسلمون كلهم في الجنة- لهذه الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» فالله تعالى يغفر ما دون الكبائر، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع في الكبائر، فأي ذنب على المسلمين! ذكره عنه الأصبهاني، وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما عن أنس رضي الله عنه. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال العلامة النيسابوري رحمه الله:

.القراءات:

{يكفر} و{يدخلكم} بياء الغيبة: المفضل. الباقون بالنون. {مدخلًا} بفتح الميم وكذلك في الحج: أبو جعفر ونافع. الباقون بالضم {واسئلوا} وبابه مما دخل عليه واو العطف أو فاؤه بغير همزة: ابن كثير وعلي وخلف وسهل وحمزة في الوقف. {عقدت} من العقد: عاصم وحمزة وعلي وخلف. الباقون {عاقدت} من المعاقدة {بما حفظ الله} بالنصب: يزيد. الباقون بالرفع. {والجار} بالإمالة: إبراهيم بن حماد وقتيبة ونصير وأبو عمرو وحمزة في رواية ابن سعدان وأبي عمرو والنجاري عن ورش {والجار الجنب} بفتح الجيم وسكون النون: المفضل. البقاون بضمتين {بالبخل} بفتحيتن حيث كان: حمزة وعلي وخلف والمفضل عباس مخير. الباقون: بضم الباء وسكون الخاء. {حسنة} بالرفع: ابن كثير وأبو جعفر ونافع. الباقون بالنصب {يضعفها} بالتشديد: ابن كثير وابن عامر ويزيد ويعقوب. الباقون {يضاعفها} بالألف.

.الوقوف:

{كريمًا} o {على بعض} ط {مما اكتسبن} ط {من فضله} ط {عليمًا} o {والأقربون} ط بناء على أن ما بعد مبتدأ {نصيبهم} ط {شهيدًا} o {من أموالهم} ج لأن ما يتلوا مبتدأ {بما حفظ الله} ط {واضربوهن} ج لابتداء الشرط مع فاء التعقيب {سبيلًا} ط {كبيرًا} o {من أهلها} ج لأن أن للشرط مع اتحاد الكلام {بينهما} ط {خبيرًا} o {وابن السبيل} ط للعطف {أيمانكم} ط {فخورًا} o لا بناء على أن الذين بدل {من فضله} ط {مهينًا} o ج لاحتمال ما بعده الاستئناف والعطف {باليوم الآخر} ط وإن جعل {الذين} مبتدأ لأن خبره محذوف أي فأولئك قرينهم الشيطان {قرينًا} o {رزقهم الله} ط {عليمًا} o {ذرة} ط لانقطاع النظم مع اتفاق المعنى أي لا يظلم بنقص الثواب ومع ذلك يضاعفه {عظيمًا} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

من الناس من قال: جميع الذنوب والمعاصي كبائر.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: كل شيء عصى الله فيه فهو كبيرة، فمن عمل شيئا منها فليستغفر الله، فإن الله تعالى لا يخلد في النار من هذه الأمة إلا راجعا عن الإسلام، أو جاحدا فريضة، أو مكذبا بقدر.
واعلم أن هذا القول ضعيف لوجوه:
الحجة الأولى: هذه الآية، فإن الذنوب لو كانت بأسرها كبائر لم يصح الفصل بين ما يكفر باجتناب الكبائر وبين الكبائر.
الحجة الثانية: قوله تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} [القمر: 53] وقوله: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف: 49].
الحجة الثالثة: ان الرسول عليه الصلاة والسلام نص على ذنوب بأعيانها أنها كبائر، كقوله: «الكبائر: الإشراك بالله واليمين الغموس وعقوق الوالدين وقتل النفس» وذلك يدل على أن منها ما ليس من الكبائر.
الحجة الرابعة: قوله تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7] وهذا صريح في أن المنهيات أقسام ثلاثة: أولها: الكفر، وثانيها: الفسوق.
وثالثها: العصيان، فلابد من فرق بين الفسوق وبين العصيان ليصح العطف، وما ذاك إلا لما ذكرنا من الفرق بين الصغائر وبين الكبائر، فالكبائر هي الفسوق، والصغائر هي العصيان.
واحتج ابن عباس بوجهين: أحدهما: كثرة نعم من عصى.
والثاني: إجلال من عصى، فإن اعتبرنا الأول فنعم الله غير متناهية، كما قال: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [النحل: 18] وان اعتبرنا الثاني فهو أجل الموجودات وأعظمها، وعلى التقديرين وجب أن يكون عصيانه في غاية الكبر، فثبت أن كل ذنب فهو كبيرة.
والجواب من وجهين: الأول: كما أنه تعالى أجل الموجودات وأشرفها، فكذلك هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وأغنى الأغنياء عن طاعات المطيعين وعن ذنوب المذنبين، وكل ذلك يوجب خفة الذنب.
الثاني: هب أن الذنوب كلها كبيرة من حيث أنها ذنوب، ولكن بعضها أكبر من بعض، وذلك يوجب التفاوت.